فصل: أخبار أبي ثعلب مع إخوته بالموصل.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.انتقاض أهل انطاكية وحمص.

ولما استولى الروم على طرسوس لحق الرشيق النعيي من قوادهم وأولي الرأي فيهم بأنطاكية في عدد وقوة فاتصل به ابن أبي الأهوازي من الجباة بأنطاكية وحسن له العصيان وأراه أن سيف الدولة بميافارقين عاجز عن العود إلى الشام بما هو فيه من الزمانة وأعانه بما كان من مال الجباة فأجمع رشيق الانتقاض وملك أنطاكية وسار إلى حلب وبها عرقوبة وجاء الخبر إلى سيف الدولة بأن رشيقا أجمع الانتقاض ونجا ابن الأهوازي إلى أنطاكية فأقام في إمارتها رجلا من الديلم اسمه وزير ولقبه الأمير وأوهم أنه علوي وتسمى هو بالأشاد وأساء السيرة في أهل أنطاكية وقصدهم عرقوبة من حلب فهزموه ثم جاء سيف الدولة من ميافارقين إلى حلب وخرج إلى أنطاكية وقاتل وزير وابن الأهوازي أياما وجيء بهما إليه أسيرين فقتل وزير وحبس ابن الأهوازي أياما وقتله وصلح أمر أنطاكية ثم ثار بحمص مروان القرمطي كان من متابعة القرامطة وكان يتقلد السواحل لسيف الدولة فلما تمكن ثار بحمص فملكها وملك غيرها في غيبة سيف الدولة بميافارقين وبعث إليه عرقوبة مولاه بدرا بالعساكر فكانت بينهما عدة حروب أصيب فيها مروان بسهم فأثبت وبقي أياما يجود بنفسه والقتال بين أصحابه وبين بدر وأسر بدر في بعض تلك الحروب فقتله مروان وعاش بعده أياما ثم مات وصلح أمرهم.

.خروج الروم إلى الثغور واستيلاؤهم على دارا.

وفي سنة خمس وخمسين وثلاثمائة خرجت جموع الروم إلى الثغور فحاصروا آمد ونالوا من أهلها قتلا وأسرا فامتنعت عليهم فانصرفوا إلى دارا قريبا من ميافارقين فأخذوها وهرب الناس إلى نصيبين وسيف الدولة يومئذ بها فهم بالهروب وبعث عن العرب ليخرج معهم ثم انصرف الروم وأقام هو بمكانه ساروا إلى أنطاكية فحاصروها مدة وعاثوا في جهاتها فامتنعت فعاد الروم إلى طرسوس.

.وفاة سيف الدولة ومحبس أخيه ناصر الدولة.

وفي صفر من سنة خمس وخمسين وثلاثمائة توفي سيف الدولة أبو الحسن علي بن أبي الهيجاء عبدالله بن حمدان بحلب وحمل إلى ميافارقين فدفن بها وولي مكانه بعده ابنه أبو المعالي شريف ثم في جمادى الأولى منها حبس ناصر الدولة أخوه بقلعة الموصل حبسه ابنه أبو ثعلب فضل الله الغضنفر وكان كبير ولده وكان سبب ذلك أنه كبر وساءت أخلاقه وخالف أولاده وأصحابه في المصالح وضيق عليهم فضجروا منه ولما بلغهم معز الدولة بن بويه اعتزم أولاده على قصد العراق فنهاهم ناصر الدولة وقال لهم اصبروا حتى ينفق بختيار ما خلف أبوه معز الدولة من الذخيرة فتظفروا به وإلا استظهر عليكم وظفر بكم فلجوا في ذلك ووثب به أبو ثعلب بموافقة البطانة وحبسه بالقلعة ووكل بخدمته وخالفه بعض إخوته في ذلك واضطرب أمره واضطر إلى مداراة بختيار بن معز الدولة وأرسل له في تجديد الضمان ليحتج به على إخوته فضمنه بألفي ألف درهم في كل سنة.

.ولاية أبي المعالي بن سيف الدولة بحلب ومقتل أبي فراس.

ولما مات سيف الدولة كما ذكرناه ولي بعده ابنة أبو المعالي شريف وكان سيف الدولة قد ولى أبا فراس بن أبي العلاء سعد بن حمدان عندما خلصه من الأسر الذي أسره الروم في منبج فاستفداه في الفداء الذي بينه وبين الروم سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وولاه على حمص فلما مات سيف الدولة استوحش من أبي المعالي بعده ففارق حمص ونزل في صدد قرية في طرف البرية قريبا من حمص فجمع أبو المعالي الأعراب من بني كلاب وغيرهم وبعثهم مع عرقوبة في طلبه فجاء إلى صدد واستأمن له أصحاب أبي فراس وكان في جملتهم فأمر به عرقوبة فقتل واحتمل رأسه إلى أبي المعالي وكان أبو فراس خاله.

.أخبار أبي ثعلب مع إخوته بالموصل.

كان لناصر الدولة بن حمدان زوجة تسمى فاطمة بنت أحمد الكردية وهي أم أبي ثعلب وهي التي دبرت مع ابنها أبي ثعلب على أبيه فلما حبس ناصر الدولة كاتب ابنه حمدان يستدعيه ليخلصه مما هو فيه وظفر أبو ثعلب بالكتاب فنقل أباه إلى قلعة كواشي واتصل ذلك بحمدان وكان قد سار عند وفاة عمه سيف الدولة من الرحبة إلى الرقة فملكها ولما اتصل به شأن الكتاب سار إلى نصيبين وجمع الجموع وبعث إلى إخوته في الإفراج عن أبيهم فسار أبو ثعلب لحربه وانهزم حمدان قبل اللقاء للرقة فحاصره أبو ثعلب أشهرا ثم اصطلحا وعاد كل منهما إلى مكانه ثم مات ناصر الدولة في محبسه سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ودفن بالموصل وبعث أبو ثعلب أخاه أبا البركات إلى حمدان بالرحبة فافترق عنه أصحابه وقصد العراق مستجيرا ببختيار فدخل بغداد في شهر رمضان من سنته وحمل إليه الهدايا وبعث بختيار إلى أبي ثعلب النقيب أبا أحمد والد الشريف الرضي في الصلح مع أخيه حمدان فصالحه وعاد إلى الرحبة منتصف سنة تسع وخمسين وثلاثمائة وفارقه أبو البركات ثم استقدمه أبو ثعلب فامتنع من القدوم عليه فبعث إليه أخاه أبا البركات ثانيا في العساكر فخرج حمدان إلى البرية وترك الرحبة فملكها أبو البركات واستعمل عليها وسار إلى الرقة ثم إلى عرابان وخالفه حمدان إلى الرحبة فملكها وقتل أصحاب أبي ثعلب بها فرجع إليه أبو البركات وتقاتلا فضرب أبا البركات على رأسه فشجه ثم ألقاه إلى الأرض وأسره ومات من يومه وحمل إلى الموصل فدفن بها عند أبيه وجهز أبو ثعلب إلى حمدان وقدم أخاه أبا فراس محمدا إلى نصيبين ثم عزله عنها لأنه داخل حمدان ومالأه عليه فاستدعاه وقبض عليه وحبسه بقلعة ملاشي من بلاد الموصل فاستوحش أخوه إبراهيم والحسن ولحقا بأخيهما حمدان في شهر رمضان وساروا جميعا إلى سنجار وسار أبو ثعلب من الموصل في أثرهم في شهر رمضان سنة ستين وثلاثمائة فخاموا عن لقائه واستأمن إليه أخوه إبراهيم والحسن خديعة ومكرا فأمنهما ولم يعلم وتبعهما كثير من أصحاب حمدان وعاد حمدان من سنجار إلى عرابان واطلع أبو ثعلب على خديعة أخويه فهربا منه ثم استأمن الحسن ورجع إليه وكان حمدان أقام نائبا بالرحبة غلامه نجا فاستولى على أمواله وهرب بها إلى حران وبها سلامة البرقعيدي من قبل أبي ثعلب فرجع حمدان إلى الرحبة وسار أبو ثعلب إلى قرقيسيا وبعث العساكر إلى الرحبة فعبروا الفرات واستولوا عليها ونجا حمدان بنفسه ولحق بسنجار مستجيرا به ومعه أخوه إبراهيم فأكرمهما ووصلهما وأقاما عنده ورجع أبو ثعلب إلى الموصل وذلك كله آخر سنة ستين وثلاثمائة.